Skip to main content

سوء استخدام تدابير الجرائم الإلكترونية يلطّخ المحادثات الأممية

يجب إشراك المنظمات غير الحكومية في محادثات معاهدة محتملة

مقر الأمم المتحدة، السبت في 28 سبتمبر/أيلول 2019. © "أيه بي فوتو"/جينا مون

(نيويورك) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن معاهدة عالمية محتملة للتصدي للجرائم الإلكترونية تهدد بتشريع الممارسات المنتهِكة، ويمكن استخدامها ذريعةً لإسكات منتقدي الحكومات وتقويض الخصوصية في عديد من الدول. في 10 مايو/أيار، ستبدأ الحكومات في الأمم المتحدة عملية لإبرام معاهدة عالمية بشأن الجرائم الإلكترونية. كانت الحكومة الروسية قد اقترحت إنشاء هذه المعاهدة.

العديد من القوانين الوطنية الخاصة بالجرائم الإلكترونية في أجزاء مختلفة من العالم تتمادى أصلا بتقييد الحقوق، وتُستخدم لاضطهاد الصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومختصي التكنولوجيا، والسياسيين المعارضين، والمحامين، والإصلاحيين الدينيين، والفنانين. بدلا من وضع معاهدة، على الحكومات إعطاء الأولوية لإصلاح هذه القوانين المنتهِكة لتتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. أي جهد للتصدي للجرائم الإلكترونية يجب أن يهدف إلى تعزيز حرية التعبير وحقوق الإنسان الأخرى، وليس تقويضها.

قالت ديبرا براون، باحثة أولى ومدافعة عن الحقوق الرقمية في هيومن رايتس ووتش: "تشكل الجرائم الإلكترونية تهديدا حقيقيا لحقوق الإنسان وسبل عيش الناس، والجهود المبذولة لمعالجتها يجب أن تحمي الحقوق بدل أن تقوّضها. على الحكومات معارضة الإجراءات الفضفاضة والعدوانية الخاصة بالجرائم الإلكترونية والتي تهدد الحقوق".

قالت هيومن رايتس ووتش إن عملية التفاوض بشأن معاهدة محتملة يجب أن تكون مفتوحة وشفافة، ويجب استشارة منظمات حقوق الإنسان في كل خطوة.

يُستخدم مصطلح "الجريمة الإلكترونية" عادة لوصف الأفعال ضد سرية وسلامة وتوافر بيانات أو أنظمة الكمبيوتر، والجرائم التقليدية المرتكبة من خلال الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات. في السنوات الأخيرة، تزايدت قوانين الجرائم الإلكترونية في مختلف أنحاء العالم، وبعضها فضفاض للغاية ويجرّم التعبير على الإنترنت، وتكوين الجمعيات، والتجمع.

"قانون منع الجرائم الإلكترونية" في باكستان، كمثال واحد فقط، يجيز حظر مواقع الويب التي تعتبر منتقدة للمسؤولين، ويُلزِم مقدمي الخدمات بالاحتفاظ بكميات هائلة من بيانات الأشخاص أو تزويد السلطات بإمكانية الوصول إليها، والتي تكون عرضة لسوء الاستخدام. استُخدمت قوانين أخرى، مثل "القانون بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات" في مصر، لمقاضاة الأشخاص لاستخدام الاتصالات الرقمية الآمنة، وهي أساسية للحفاظ على أمان الأشخاص عبر الإنترنت.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه إذا اختارت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة السعي إلى إقرار معاهدة عالمية، فعليها تعزيز حماية حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية.

سيركز اجتماع الأمم المتحدة القادم على المسائل الإجرائية الرئيسية، مثل مَن يمكنه المشاركة في المحادثات المستقبلية، وأين ستجري، وما إذا كانت العملية ستستند إلى الإجماع.

قبيل محادثات المعاهدة، حللت هيومن رايتس ووتش المخاطر الرئيسية التي تشكلها التشريعات الوطنية على حرية التعبير والخصوصية والتعاون الدولي للتصدي للجرائم الإلكترونية، بناء على تقارير هيومن رايتس ووتش عن الجرائم الإلكترونية لعشر سنوات على الأقل. في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2021، أجرت هيومن رايتس ووتش أيضا مقابلات عبر الهاتف والبريد الإلكتروني مع خبراء في الجرائم الإلكترونية.

الحكومات ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بحماية الناس من الأذى الناتج عن الأنشطة الإجرامية عبر الإنترنت. مثلا، جزء من التزام الحكومات بحماية الحقوق الإنسانية للمرأة يشمل مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، مثل النشر غير الرضائي للصور الحميمة عبر الإنترنت. لكن ردود الحكومات على الجرائم الإلكترونية غالبا ما تكون غير فعالة أو غير متناسبة، ويمكن أن تقوّض الحقوق.

يتطلب التحقيق في الجرائم ومقاضاة مرتكبيها تعاونا دوليا بشكل متزايد. تُخزّن البيانات وتعالج فعليا في دول عديدة، وغالبا ما تختلف عن مكان إجراء الملاحقة الجنائية، حتى عند الإشارة إلى البيانات الموجودة في "السَّحابة" (خوادم التخزين على الإنترنت). تحاول الحكومات الوصول إلى البيانات المخزنة خارج ولاياتها القضائية من خلال التدابير التشريعية، وغير الرسمية، والقسرية التي يمكن أن تقوض الحق في الخصوصية. حاولت الحكومات، بدعم من الشركات الكبرى أحيانا، تسريع التعاون لمشاركة البيانات لأجل التحقيقات الجنائية من خلال تدابير قد تتجاوز حماية الإجراءات القانونية أو تضعفها.

النصوص المتعلقة بما يسمى الآداب تؤدي إلى توقيف ومحاكمة النساء وأفراد مجتمع الميم إذا عبروا عن أنفسهم عبر الإنترنت. قد تؤدي المعاهدة الجديدة إلى تشريع هذه الممارسات وتطبيعها. أعربت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" عن "قلق شديد" من أن قوانين الجرائم الإلكترونية "يساء استخدامها في بعض الحالات لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان أو أنها تعوق عملهم وتعرض سلامتهم للخطر على نحو مناف للقانون الدولي".

كما استُخدمت قوانين الجرائم الإلكترونية لقمع الأصوات الناقدة. مثلا، أدينت الصحفية الفلبينية البارزة ماريا ريسا بتهمة "التشهير عبر الإنترنت" عام 2020، وتواجه عقوبة تصل إلى سبع سنوات في السجن. يقضي الحقوقي الإماراتي المعروف أحمد منصور حكما بالسجن عشر سنوات بتهمة ارتكاب جرائم إلكترونية وجرائم غامضة أخرى تتعلق بعمله الحقوقي.

قالت هيومن رايتس ووتش إن وضع معاهدة عالمية له مخاطر كبيرة - لا سيما إذا دعمتها بعض أكثر حكومات العالم قمعا. مثل هذه المعاهدة من شأنها أن تحدد معايير للدول حول العالم التي لا تزال تطور مقاربتها للتصدي للجرائم الإلكترونية على المستوى الوطني. يمكن أن تؤثر أيضا بشكل كبير على كيفية مشاركة البيانات عبر الحدود من قبل أجهزة الأمن والشرطة.

الأرجح أن المعاهدة غير ضرورية، ومن الأفضل بذل الجهود لتحسين عمليات المساعدة القانونية المتبادلة وتوفير مزيد من الموارد والتدريب لموظفي إنفاذ القانون المشاركين في طلبات الحصول على البيانات عبر الحدود لضمان استجابة سريعة لا تنتهك حقوق الأشخاص.

قالت براون: "يجب أن تفكر الوفود مليّا بما إذا كان العالم بحاجة فعلا إلى معاهدة لجرائم الإنترنت. عليها أيضا ضمان مشاركة المجموعات غير الحكومية، إذ استُهدف عديد من الحقوقيين من خلال قوانين الجرائم الإلكترونية التعسفية ولديهم الخبرة ذات الصلة بشأن الضمانات اللازمة".

للمزيد من المعلومات حول تأثير التدابير للتصدي للجرائم الإلكترونية (بالإنغليزية)، يرجى الضغط هنا.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة