Skip to main content

المراقبة الجماعية تغذي اضطهاد الأويغور والفلسطينيين

مثل الصين، تتخذ إسرائيل تكنولوجيا المراقبة سلاحا لإسكات المعارضة السلمية

نُشر في: Al Jazeera
عرض يُظهر تكنولوجيا قادرة على تحليل حركة الجسد لدى حدوث أفعال معينة مثل العراك، السرقة، أو السقوط خلال معرض "أمن الصين 2018" في بكين، الصين، الثلاثاء 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018. © 2018 AP Photo/Ng Han Guan

السيطرة على سكان مضطهدين باستخدام التكنولوجيا. انتهاكات باستخدام تقنية التعرف على الوجه. قيود مشددة على الحركة. تصنيف المعارضة السلمية كـ"إرهاب".

بالنسبة لعديد من القراء، يعيد هذا السيناريو إلى الأذهان انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الصين على نطاق واسع ضد ملايين الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك. لكن هذا الوصف ينطبق أيضا على معاملة إسرائيل لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.

أفادت تقارير بأن الجيش الإسرائيلي يستخدم تقنية التعرف على الوجوه لبناء قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات الشخصية عن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، تتضمن صورهم وتاريخ عائلاتهم وتعليمهم، ومنحهم تصنيفا أمنيا. عندما يلتقط الجنود المزودون بتطبيق "بلو وولف" (Blue Wolf) الرسمي على هواتفهم الذكية وجه فلسطيني، تظهر على التطبيق إشارة باللون الأصفر، أو الأحمر، أو الأخضر تدل على ما إذا كان يجب احتجاز الشخص أو السماح له بالمرور.

بالنسبة لواحد منا نظام – باحثة الصين في "هيومن رايتس ووتش" – نظام بلو وولف الإسرائيلي مألوف بشكل مخيف. فالسلطات الصينية في شينجيانغ تستخدم نظاما مشابها للمراقبة الجماعية، يُطلق عليه "اسم منصة العمليات المشتركة المتكاملة" (IJOP)، وهو بمثابة "دماغ" الأنظمة الاستشعارية المختلفة في جميع أنحاء المنطقة. المنصة أيضا نظام بيانات ضخم يراقب كل ما "يخرج عن العادة" بحسب ما تحدده السلطات تعسفيا.

الأشخاص الذين "تنفصل" هواتفهم فجأة عن الانترنت أو الذين يستخدمون الكثير من الكهرباء، وهي سلوكيات يومية مشروعة، تختارهم المنصة تلقائيا لتستجوبهم الشرطة، وبعضهم يُحتجز لاحقا ليخضع "للتربية السياسية" ويُسجن.

في السنوات الأخيرة، تم إيلاء اهتمام متزايد لاستخدام الصين وتصديرها المراقبة الجماعية. لكن الأمر لا يقتصر على الشركات الصينية، فتقنيات المراقبة تكاثرت في أنحاء العالم بسبب الفراغ القانوني والتنظيمي.

استخدمت الحكومات برنامج التجسس "بيغاسوس" الذي طورته مجموعة "إن إس أو" ومقرها إسرائيل، لاختراق أجهزة في 45 دولة، منها أجهزة صحفيين، ومعارضين، وحقوقيين. يحوّل بيغاسوس الجهاز المخترَق إلى أداة مراقبة محمولة من خلال الوصول إلى كاميرا الهاتف، وميكروفونه، ورسائله النصية.

في وقت سابق من هذا الشهر، اكتُشف برنامج بيغاسوس في هواتف ستة نشطاء حقوقيين فلسطينيين، ثلاثة منهم عملوا مع منظمات مجتمع مدني صنفتها إسرائيل ظلما على أنها "منظمات إرهابية" في أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى حظرها فعليا. في شينجيانغ أيضا، تبرر السلطات الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها بحق الأقليات من سكان المنطقة على أنها "حملة ضاربة" ضد الإرهاب.

في شينجيانغ كما في السياق الفلسطيني-الإسرائيلي، تغذي المراقبةُ الانتهاكاتِ الجسيمة للحقوق بتمكين السلطات من التعرف بسرعة على المعارضة السلمية وتحييدها، وممارسة سيطرة تخرق الخصوصية على عدد كبير من السكان. بدون مساعدة تقنيات المراقبة تلك، كان سيصعب على سلطات شينجيانغ إبقاء سيطرتها الدقيقة على مدار الساعة على جميع الأويغور البالغ عددهم 12 مليون، بما في ذلك مراقبة أفكارهم، وماذا يلبسون، وبمن يرتبطون. تساعد المراقبة إسرائيل، الدولة التي تعرّف نفسها على أنها يهودية، في الحفاظ على هيمنتها على الفلسطينيين، وهي جزء من جريمتيها ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد.

في مقال نُشر مؤخرا بشأن تطبيق بلو وولف وتأثير المراقبة من تأثير، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن فلسطيني يعيش في الضفة الغربية قوله: "لم نعد نشعر بالأمان عندما نختلط بالآخرين لأن الكاميرات تصوّرنا دائما". يعكس هذا الشعور ما قالته امرأة مسلمة تركية في شينجيانغ قابلتها هيومن رايتس ووتش لأجل تقرير في 2018 حول التأثير المدمر للمراقبة الشاملة: "لم يكن الناس يزورون بعضهم البعض (...) فلنفرض أن امرأة عجوزا مثلا عبرت الشارع للتحدث معي، فسأهرب". كون هذا الواقع البائس يترسخ لدى الفلسطينيين مثير للخوف.

تتطلب قوانين حقوق الإنسان الدولية أن يستوفي جمع البيانات الشخصية، واستخدامها، وتخزينها من جانب الحكومات معايير الشرعية، والتناسب، والضرورة. يعني ذلك أنه يجب أن تكون هناك أطر عمل قانونية معروفة وواضحة تمنع الحكومة من جمع البيانات الشخصية، وتحليلها، واستخدامها، وتخزينها بما يتجاوز الأهداف المشروعة التي لا يمكن تحقيقها باستخدام تدابير أقل تدخلا. مثل هذا الإطار يجب أن يُخضِع أيضا المراقبة لترخيص هيئة مستقلة ورقابتها.

على الحكومات أن تعتمد قوانين لضمان خضوع أي مراقبة تقوم بها لهذه المعايير. عليها الضغط من أجل تجميد عالمي لبيع تكنولوجيا المراقبة، وتصديرها، ونقلها، واستخدامها إلى حين تقديم ضمانات كافية بشأن حقوق الإنسان. كما عليها معاقبة الشركات التي تبيع أنظمة المراقبة التي ثبت أنها سهّلت ارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة.

فرضت الحكومة الأمريكية ضوابط تصدير على بعض شركات المراقبة الصينية وأيضا على مجموعة إن إس أو مؤخرا. لكن مثل هذه القيود على حصول هذه الشركات على التكنولوجيا الأمريكية غير كافية لأن مقر هذه الشركات خارج الولاية القضائية الأمريكية.

ربما حان الوقت لتكثف الدول جهودها وتشرع في التفكير في استخدام تدابير أقوى، مثل قانون ماغنتسكي الذي تستخدمه الولايات المتحدة لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان.

قد لا تنهي هذه الإجراءات اضطهاد ملايين الفلسطينيين والأويغور، إلا أنها قد تخفف من القمع وربما تخلق بعض الزخم لإنهاء الجرائم ضد الإنسانية التي يواجهها كلا الشعبين.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة