Skip to main content

لبنان: الضربة الإسرائيلية جريمة حرب على ما يبدو

مقتل ثلاث طفلات وجدّتهن في سيارتهن

السيارة التي قُتلت فيها الفتيات الثلاث وجدتهن في خلال غارة جوية إسرائيلية في أطراف بلدة عيناتا الجنوبية، لبنان، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. © 2023 زهرة بن سمرة/رويترز

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنه ينبغي التحقيق في الضربة الإسرائيلية غير القانونية التي استهدفت عائلة في سيارة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، باعتبارها جريمة حرب على ما يبدو. أدّى الهجوم إلى مقتل ثلاث فتيات وجدتّهن وإصابة والدتهن.

قال سمير أيوب، خال الفتيات، في مقابلة تلفزيونية ليلة الهجوم إن العائلة كانت متوجهة إلى بيروت من جنوب لبنان في وقت متأخر من بعد الظهر عقب قصف عنيف شنّته القوات الإسرائيلية على المنطقة ذلك اليوم. كان أيوب، وهو صحفي، يستقل سيارة أخرى أمام السيارة التي أصيبت.

قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "هجوم الجيش الإسرائيلي الذي أصاب سيارة عائلة تهرب من العنف يُظهر عدم الاكتراث بحياة المدنيين. أظهرت تحقيقاتنا أن ثلاث فتيات صغيرات وجدّتهن فقدن حياتهن بسبب عدم تمييز الجيش الإسرائيلي بين المقاتلين والمدنيين. قتلهن انتهاك لقوانين الحرب، وينبغي لحلفاء إسرائيل، كالولايات المتحدة، الرد على جريمة الحرب المفترضة هذه بالمطالبة بالمحاسبة على هذه الضربة غير القانونية".

في ذلك المساء، أقرّ الجيش الإسرائيلي بتنفيذ الغارة، وقال لصحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" إنه "أصاب مركبة في الأراضي اللبنانية بعد تحديدها كمركبة مشبوهة تُقل عدة إرهابيين [...] وأنه يُحقّق في الادعاء بوجود عدة مدنيين أبرياء في السيارة. الحدث قيد المراجعة". بحسب بحث هيومن رايتس ووتش، لم يقدم الجيش الإسرائيلي أي دليل لتبرير ادعائه.

قابلت هيومن رايتس ووتش أيوب ومسؤولا في فريق "الدفاع المدني" الذي تواجد في الموقع بعد الهجوم.  راجعت أيضا فيديوهات لما بعد الضربة، ولقطات كاميرات المراقبة التُقطت قبل الضربة لسيارة العائلة، وأقوال رئيس المستشفى الذي نُقلت إليه الضحايا، وحدّدت الموقع الجغرافي للفيديوهات للتأكد من المواقع.

© 2023 Human Rights Watch

قال أيوب ومسؤول الدفاع المدني إن الفتيات، ريماس شور (14 عاما) وتالين شور (12 عاما) وليان شور (10 أعوام)، ووالدتهن هدى حجازي شور، التي كانت تقود السيارة، وجدّتهن سميرة أيوب، كُنّ الوحيدات في السيارة. نُقل عن مدير "مستشفى صلاح غندور" في بنت جبيل، أن جثث الفتيات وجدّتهن احترقت بالكامل، فيما أصيبت الأم لكن حالتها مستقرة.

قال أيوب إنه يستخدم هذا الطريق تحديدا يوميا للذهاب من منزله في عيترون لزيارة منزل شقيقته في بليدا. قال: "يستخدم جميع سكان البلدة هذا الطريق عندما يذهبون لشراء البقالة أو للتزوّد بالمؤن. لا توجد أهداف عسكرية هناك".

لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري في المنطقة المجاورة. لكن إن وُجد، فإن استهداف سيارة تُقل مدنيين، واعتراف الجيش الإسرائيلي باستهداف السيارة دون التمييز بين المقاتلين والمدنيين، يجعل الضربة غير قانونية. بموجب قوانين الحرب، يجب على جميع الأطراف بذل كل جهد ممكن للتحقق من أن الأهداف هي أهداف عسكرية مشروعة. في حالة الشك فيما إذا كان الشخص مدنيا، فيجب اعتباره مدنيا.

في مقابلة تلفزيونية ليلة الهجوم، قال أيوب إنه قبيل الضربة، توقفت السيارتان عند متجر صغير في عيترون. راجعت هيومن رايتس ووتش تسجيلا قدّمه أيوب من كاميرا المراقبة في المتجر يُظهر سيارة العائلة، وحدّدت موقعها الجغرافي على بعد حوالي 1.7 كيلومتر من موقع الهجوم، ما يؤكد رواية أيوب.

تُظهر لقطات كاميرات المراقبة طفلة وامرأة، تبيّن أنهن الأم وليان، مع أيوب، وهم يغادرون المتجر. تُظهر اللقطات فتاتين صغيرتين على الأقل في المقعد الخلفي للسيارة وامرأتين في المقاعد الأمامية.

يُظهر تسجيل لبث تلفزيوني مباشر من موقع الضربة فريق الدفاع المدني يُخرج جثة متفحمة من السيارة ويضعها في سيارة الإسعاف. ويمكن سماع أيوب، والدم على قميصه، يقول إن الفتيات وجدّتهن قُتلن، بينما أصيبت الأم.

في مقابلة تلفزيونية سُجّلت بعد وقت قصير من الغارة، قال أيوب إن العائلة خططت للتوجه إلى منزله قبل التوجه إلى بيروت. "قلت لهن أن يلعبن أمام السيارة لأن [طائرة مراقبة مسيّرة] كانت تحلق فوقهن. أخبرتهن أن الطائرة المسيّرة ستراكن الآن وتعرف أن هناك أطفال في السيارة. احترقت البنات الثلاث الصغيرات في السيارة أمام عيني، وأمهن تصرخ. أخرجتها. لكننا لم نستطع فعل أي شيء. كانت الفتيات يحترقن ويصرخن لكننا لم نستطع فعل أي شيء".

أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" التي تديرها الدولة في لبنان أن أيوب كان يقود السيارة الأولى بينما تبعه الآخرون في السيارة الثانية. وفقا للوكالة، أصيبت السيارة الثانية بشكل مباشر، فانقلبت على جانب الطريق واندلعت فيها النيران.

تأتي الضربات الإسرائيلية الأخيرة في سياق التوترات المتزايدة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، حيث تستمر الهجمات الصاروخية والاشتباكات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي وعدة جماعات مسلحة لبنانية وفلسطينية منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول. حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني، قتلت الهجمات الإسرائيلية في لبنان بحسب تقارير على الأقل عشرة مدنيين  و70 من مقاتلي "حزب الله". قتلت الهجمات الصاروخية وهجمات أخرى شنّها حزب الله وجماعات فلسطينية على إسرائيل على الأقل مدنيين اثنين وستة جنود، بحسب تقارير.

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، قال حزب الله في بيان إنه رد على الهجوم على السيارة المدنية بقصف كريات شمونة بعدد من صواريخ "غراد". بينما أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى عدم وقوع إصابات جراء الهجوم على كريات شمونة، فقد قُتل مدني إسرائيلي جراء هجمات صاروخية لحزب الله على كيبوتس يفتاح في شمال إسرائيل في اليوم نفسه. في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أمرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بإخلاء كريات شمونة، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، إلى جانب بلدات أخرى تقع على مسافة 4 كيلومتر من الحدود، منطقة عسكرية مغلقة.

قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطاب تلفزيوني في 3 نوفمبر/تشرين الثاني إن هجمات إسرائيل على المدنيين ستُقابَل بهجمات انتقامية على المدنيين. بموجب القانون الإنساني الدولي، تعتبر الأعمال الانتقامية الحربية ضد المدنيين محظورة. أطراف النزاع ملزمة بالامتثال للقانون الإنساني الدولي بغضّ النظر عن سلوك الطرف الآخر. انتهاكات قوانين الحرب من قبل أحد الطرفين لا تبرر الانتهاكات من قبل الجانب الآخر.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قادت "حماس" هجوما في جنوب إسرائيل أدى إلى مقتل نحو 1,200 شخص، منهم مئات من المدنيين، بحسب الحكومة الإسرائيلية. احتجزت حماس و"الجهاد الإسلامي" أكثر من 200 شخص كرهائن، بينهم أطفال، وأشخاص من ذوي الإعاقة، وكبار السن.

أدّى القصف العنيف الذي شنّته القوات الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب وزارة الصحة في غزة، إلى مقتل أكثر من 11 ألف فلسطيني، بينهم آلاف المدنيين وأكثر من 4,500 طفل، وتشريد أكثر من 1.5 مليون شخص. قطعت السلطات الإسرائيلية الكهرباء، والمياه، والوقود، والغذاء عن غزة، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلا نتيجة للإغلاق غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ 16 عاما. في الضفة الغربية، قتلت القوات الإسرائيلية والمستوطنون 169 فلسطينيا حتى 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية".

ينبغي لحلفاء إسرائيل الرئيسيين ــ الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا ــ تعليق مساعداتهم العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل، وينبغي لإيران والحكومات الأخرى التوقف عن تزويد الجماعات المسلحة الفلسطينية بالأسلحة، منها حماس والجهاد الإسلامي، نظرا لخطر استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة.

بموجب القانون الإنساني الدولي، يُلزم جميع أطراف النزاع، في جميع الأوقات أثناء النزاع، بالتمييز بين المقاتلين والمدنيين واستهداف المقاتلين فقط. الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – أي عن قصد أو بإهمال – قد يُحاكمون بتهمة ارتكاب جرائم حرب. يمكن تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية عن المساعدة في ارتكاب جريمة حرب، أو تسهيلها، أو التحريض عليها. جميع الحكومات الأطراف في نزاع مسلح ملزمة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي يرتكبها أفراد جيشها.

قالت هيومن رايتس ووتش إن الهجوم على مركبة ليس فيها سوى مدنيين فارين يظهر عدم اكتراث الجيش الإسرائيلي بالتزامه بالتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وتقاعس كبير عن اتخاذ الضمانات الكافية للحيلولة دون سقوط قتلى من المدنيين.

قال قيس: "تتقاعس السلطات الإسرائيلية منذ فترة طويلة عن التحقيق بمصداقية في انتهاكاتها الخطيرة، حتى عند اعترافها بارتكابها. مع استمرار السلطات الإسرائيلية بارتكاب الانتهاكات دون عقاب، ينبغي لحلفاء إسرائيل الإصرار على المساءلة عن انتهاكات إسرائيل لقوانين الحرب، وجريمة الحرب المفترضة هذه".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة