Skip to main content

إيران: قوات الأمن تقمع بعنف احتجاجات سنوية "الجمعة الدامي"

على الأمم المتحدة التحقيق في أنماط الانتهاكات في سيستان وبلوشستان

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن الإيرانية استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين الذين أحيوا ذكرى حملة القمع الحكومية الوحشية المعروفة بـ "يوم الجمعة الدامي" ضد المظاهرات الكبيرة المناهضة للحكومة العام 2022.

أطلقت قوات الأمن الخردق والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وضربت المتظاهرين ومارست ضدهم اعتداءات أخرى في 29 سبتمبر/أيلول 2023، ومرة أخرى في 20 أكتوبر/تشرين الأول. على "بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في إيران" التحقيق في نمط القوة المفرطة، والاعتقالات التعسفية أثناء الاحتجاجات، وخاصة في مناطق تضم أقليات عرقية ودينية كبيرة مثل مدينة زاهدان في محافظة سيستان وبلوشستان.

متظاهرون في زاهدان، إيران، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022. © 2022 خاص

قالت تارا سبهري فر، باحثة أولى في شؤون إيران في هيومن رايتس ووتش: "السلطات الإيرانية ملتزمة كعادتها بالقمع الوحشي ضد احتجاجات شعبها الذي يطالب بتغيير جذري. يبدو أن قوات الأمن تسارع إلى استخدام القوة المفرطة والقاتلة في المدن مثل زاهدان التي تضم أقليات عرقية ودينية كبيرة".

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة شهود على احتجاج 29 سبتمبر/أيلول، وشاهد واحد في 20 أكتوبر/تشرين الأول، وتحققت من، وحللت، 14 فيديو نُشر في تيليغرام بين 29 سبتمبر/أيلول و5 أكتوبر/تشرين الأول. يُظهر ذلك أنه في 29 سبتمبر/أيلول، كانت قوات الأمن مسلحة ببنادق صيد وبنادق آلية، وأطلقت الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين، وضربتهم بالهراوات خارج المسجد المكي في زاهدان. قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن أطلقت الخردق وطلقات كرات الطلاء على الجزء العلوي من أجسادهم، وضربتهم بالهراوات واعتقلت عددا كبيرا من المتظاهرين، وبينهم أطفال.

كما تحققت هيومن رايتس ووتش من صور شاركها نشطاء حقوقيون تظهر الغاز المسيل للدموع وخردق بنادق صيد عليها علامة "صناعات مهام". استُخدمت ذخائر هذه الشركة بشكل شائع خلال قمع الاحتجاجات الحاشدة العام 2022.

أَحيت الاحتجاجات ذكرى القمع القاتل في 30 سبتمبر/أيلول 2022، في زاهدان، عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان ذات الأغلبية البلوشية، وهي إحدى أكثر المناطق تهميشا اقتصاديا في البلاد. استخدمت قوات الأمن الإيرانية القوة القاتلة بشكل غير مشروع، فقتلت وأصابت عشرات المتظاهرين، وهو أكبر عدد من الضحايا في يوم واحد خلال الاحتجاجات، ومن بينهم أشخاص كانوا يغادرون صلاة الجمعة في قاعة الصلاة في "المصلى الكبير".

قال شهود إنه في الأيام التي سبقت الذكرى السنوية، تمركزت قوات الأمن في زاهدان بشكل استراتيجي في الشوارع والتقاطعات. أوقفت قوات الأمن تعسفيا أشخاصا متجهين نحو المسجد لأداء صلاة الجمعة، وفحصت أوراقهم الثبوتية وفتشت هواتفهم للعثور على أي فيديوهات أو صور تتعلق بالاحتجاجات السابقة. حسب مجموعة "حال وش" الحقوقية التي تنشر تقارير عن الانتهاكات في زاهدان، اعتقلت قوات الأمن أشخاصا عدة، بينهم 32 طفلا على الأقل.

أفاد شاهدان تحدثا إلى هيومن رايتس ووتش وحال وش بعد انتهاء صلاة الجمعة في 29 سبتمبر/أيلول، هتف المتظاهرون ضد الحكومة أثناء مغادرة المسجد المكي وسط مدينة زاهدان. قالوا إن قوات الأمن، بمن فيهم "الحرس الثوري" والشرطة و"قوات الباسيج" شبه العسكرية، هاجمت بعد ذلك المتظاهرين دون إنذار في شارع الخيّام، باستخدام الغاز المسيل للدموع والخردق وطلقات الطلاء.

قال أحد الشهود: "بعد الصلاة، هاجمت قوات الأمن الناس، وأطلقت كثيرا من الغاز المسيل للدموع. سمعت أن أطفالا أصيبوا بالرصاص فذهبتُ لمساعدتهم. كانت عيناي تحترقان من الغاز المسيل للدموع، وكنت أرى أطفالا بعمر تلاميذ الابتدائية أصيبوا بالرصاص. ذكرني ذلك بيوم الجمعة الدامي مرة أخرى. كان الأمر مشابها، لم نتمكن من التنفس، وكانت أنوفنا تحترق ولم نكن نتمكن حتى من رؤية من أين كانوا يهاجموننا ومتى".

قال إنه قبل أن يفقد وعيه بسبب إصابته في الظهر، رأى 23 شخصا يصابون، معظمهم بطلقات الخردق وكرات الطلاء في الجزء العلوي من أجسادهم. قال إنه رأى أربعة أشخاص على الأقل مصابين بالرصاص في رؤوسهم ووجوههم، بما في ذلك أعينهم، وإن أربعة من الجرحى كانوا أطفالا.

بحسب حال وش، بين 29 سبتمبر/أيلول و1 أكتوبر/تشرين الأول، اعتقلت السلطات 216 شخصا على الأقل في مدن زاهدان وخاش وميرجاوه وتشابهار في سيستان وبلوشستان. وجدت حال وش أن قوات الأمن ضربت عديدا من المعتقلين.

قالت امرأة من زاهدان: "شاهدتُ رجلا مسنا لم يكن مشاركا في الاحتجاج وكان يغادر المسجد بعد الصلاة. تعرض لهجوم عنيف من قبل قوات الأمن، وضربوه بالهراوات وسحبوه على الأرض بقوة حتى تمزقت ملابسه. بعد ذلك، اعتقلوه واقتادوه على دراجة نارية".

قالت حال وش إنه بعد قمع السلطات الاحتجاجات بعنف بين 29 سبتمبر/أيلول و1 أكتوبر/تشرين الأول، أغلقت قوات الجيش والأمن جميع الشوارع والأزقة المحيطة بالمسجد المكي في 20 أكتوبر/تشرين الأول. أفادت حال وش أن قوات الأمن ضربت المتظاهرين بشدة بالهراوات، واعتقلت مئات الأشخاص، بحسب تقارير، بمن فيهم العديد من المسنين والأطفال، ونقلتهم إلى مراكز الاحتجاز باستخدام الحافلات المعدة مسبقا.

قالت امرأة أخرى إنها شهدت في 20 أكتوبر/تشرين الأول اعتقال 20 شخصا على الأقل: "رأيت من النافذة قوات الأمن تعتقل ثلاثة أطفال في الشارع المجاور لمنزلنا. يستخدم الناس هذا الشارع عادة بعد الصلاة، وحدثت معظم المواجهات في هذا الجزء من الحي. لم أتمكن من تصوير الاعتقالات لأنهم علموا أن بعض الأشخاص كانوا يراقبون من النوافذ".

قالت المرأة: "دخلت قوات الأمن المباني واحدا تلو الآخر محاولةً التعرف على الشخص الذي يصور. حتى أنهم زعموا أن شخصا ما ألقى حجرا من الأعلى، وهذا كذب... جاؤوا بهذا العذر وفتشوا جميع الشقق، كما اعتقلوا أحد جيراننا وضربوا آخر بشدة حتى كاد يموت".

قال قريب شاب عمره 18 عاما إن العناصر الذين استخدموا الهراوات اعتقلوا الشاب وأصدقاءه بوحشية واحتجزوهم سبعة أيام، ثم نقلوهم إلى السجن، حيث ما يزال محتجزا. خلال تلك الفترة، لم يحصلوا على الغذاء الكافي، وكانوا يبحثون عن الطعام في القمامة.

في 24 أكتوبر/تشرين الأول، أفادت "منظمة العفو الدولية" أنه في 20 أكتوبر/تشرين الأول، اعتُقل بالقوة مئات الأشخاص، من بينهم عشرات الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 أعوام، وأن عددا كبيرا منهم ما زالوا مفقودين. تعرض المعتقلون، من الأطفال والبالغين، للتعذيب وغيره من الانتهاكات، منها الضرب المبرح والإصابات الناجمة عن طلقات كرات الطلاء من مسافة قريبة. بحسب حال وش، في 29 سبتمبر/أيلول، أطلقت السلطات النار على علي رضا ريجي، وهو صبي عمره 16 عاما لديه إعاقة جسدية، في رأسه بطلقات الخردق وضربته واعتقلته. احتُجز بموجب أمر اعتقال مؤقت لشهر. قُتل شقيقه عرفان ريجي بالرصاص يوم الجمعة الدامية. أفادت حال وش أن السلطات سلمت جثة عرفان إلى عائلته بعد تأخير لأربعة أيام، وضغطت عليهم لدفنه سرا. كما اعتقلت السلطات والد عرفان، الذي حُكم عليه فيما بعد بالسَّجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ وفُصل من وظيفته.

أبطأت السلطات الإيرانية بشكل متكرر الوصول إلى الإنترنت أو قيدته أو أغلقته خلال الاحتجاجات الواسعة، بما في ذلك في محافظة سيستان وبلوشستان، حيث تجمع المتظاهرون في زاهدان حول المسجد المكي بشكل متكرر بعد صلاة الجمعة على مدار العام الماضي. أفادت مبادرة "فلتر ووتش"، التي تركز على التحقيق والبحث في سياسة الإنترنت ووضع الاتصال بالشبكة في إيران، أن الوصول إلى الإنترنت في المنطقة كان محدودا أو مقطوعا كل يوم جمعة تقريبا منذ 10 فبراير/شباط.

تُظهر بيانات "مشروع كشف وتحليل انقطاع الإنترنت" أنه مع اقتراب ذكرى الجمعة الدامية في 30 سبتمبر/أيلول في زاهدان، شهدت سيستان وبلوشستان انقطاعا شبه كامل للإنترنت بشكل متكرر.

قالت إحدى سكان زاهدان إنه بين الساعة 9 صباحا و2 بعد ظهر 29 سبتمبر/أيلول، كان هناك انقطاع شبه كامل لاتصالات الهاتف الخلوي والإنترنت في الأحياء المحيطة بالمسجد المكي، أعقبته اضطرابات كبيرة في الإنترنت. قالت أيضا إنه منذ بدء احتجاجات سبتمبر/أيلول 2022، كان الاتصال بالإنترنت بطيئا باستمرار وينقطع كل يوم جمعة منذ أحداث الجمعة الدامي.

كما أبلغت مصادر عن ضعف الاتصال بالإنترنت في مدن أخرى في محافظة سيستان وبلوشستان. قال شاهد إن الإنترنت كان ضعيفا جدا في المنزل، وإن حتى إجراء مكالمات عبر الهاتف الخلوي كان مستحيلا بسبب الانقطاع المتكرر. للحصول على اتصال مستقر، يجب الذهاب إلى موقع محدد لإشارة أفضل. قال المصدر إن الاتصال بالإنترنت والهاتف الخلوي كان جيدا في المنزل قبل احتجاجات العام الماضي، لكن الآن توجد فيهما مشاكل. في مدينة إيران شهر في محافظة سيستان وبلوشستان، مشكلات الإنترنت شائعة، خاصة في أيام الجمعة، رغم أنها ليست كبيرة كما في زاهدان.

لم تبذل السلطات أي جهد لتحقيق العدالة لأسر ضحايا الجمعة الدامية. قال مصدر مطلع إن المسؤولين الحكوميين ضغطوا على العائلات التي تطالب بالعدالة لتلتزم الصمت مقابل الدية، وهو مصطلح شرعي للتعويض المالي عن الأذى المتعمد أو الخسائر في الأرواح، وهو ما رفضته معظم العائلات، وطالبت بدلا منه بمحاسبة المسؤولين عن وفاة أقاربهم. لم يُعرض أي تعويض على الضحايا الذين ليس لديهم وثائق هوية مناسبة.

قال سبهري فار: "على مدى العام الماضي، تظاهر سكان سيستان وبلوشستان بانتظام ضد الحكومة الاستبدادية. بدل تلبية مطالبهم، لجأت السلطات الإيرانية إلى القمع الوحشي والاحتجاز التعسفي بحق البالغين والأطفال. ينبغي لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق إجراء تحقيق شامل في هذه الانتهاكات وتقديم توصيات لتحقيق المساءلة".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة